ن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أمـــا بــعـــد :
فإن الواجب على جميع العباد امتثال أمر رب الأرض والسموات ، وأمر المبعوث رحمة للعباد ، وطرح كل قول يخالف الكتاب والسنة دون شقاق أو عناد ، فإن ذلك تمام الانقياد الذي هو شرط من شروط لا إله إلا الله .
فلا توحيد إلا بطاعة الله ورسوله ، ولا فوز ولا فلاح إلا بتقديم الكتاب والسنة على آراء الرجال ، التي هي محط أنظار قابلة للرد والقبول ، وما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد سوى المبعوث بالفرقان ، وما من إمام من الأئمة إلا وله أقوال مرغوب عنها عند أولى النهى والأبصار ، فالسعيد من تمسك بالوحيين وان جفاه الطغام . والشقي من نبذهما من أجل التمسك بآراء الرجال .
وإني لما رأيت كثيرا من الناس ،نبذوا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم تعضيما لمحض الآراء ،وتعصبا لمذهب من هو عرضة للنسيان والخطأ ،وعادوا من لا يتعصب لمذهب معين ويلتزمه جهلا منهم بكتاب ربهم الذي أنزل على خير الورى أحببت أن اكتب هذه الرسالة في وجوب الأخذ بالكتاب والسنة ورد المسائل المتنازع فيها إليهما ،كي تتوحد الأقوال على وفق الأدلة الشرعية ،ويقل الخلاف بل يضمحل عند الرجوع إلى حبل الله المتين المنزل على الرسول الأمين وتستقيم الأرض على طاعة رب الأرض والسموات على رغم أنوف المبطلين لأنه مما لا يخفى أن أعظم شيء أضر بكثير من أهل العلم والدين وأخرهم عن اللحوق بسلفهم هو التعصب المذهبي والجمود على مذهب من ينتمون إليه دون نظر في الأدلة الشرعية وترجيح ما يقتضي الدليل ترجيحه.
وكم جر هذه التعصب من سقوط بلاد إسلامية بسبب تفرقها وتعصبها وعدم تمسكها واعتصامها بالكتاب والسنة .
وثم مصيبة يندى لها الجبين وهي أن الكثير من المتعصبين لأئمة المذاهب الأربعة وغيرهم جمعوا مع الحشف سوء الكيل فهم يعادون أهل التجرد للدليل ويلمزونهم بذلك ، بل يرمونهم بالمنكرات وعظائم الأمور زورا وبهتانا كي ينفروا عنهم لما من الله عليهم به من تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن لا ضير على أهل التوحيد الخالص من جعجعة المرجفين ، ولمز المبطلين فصيحتهم كمثل دخان ، وهذه سنة الله في عباده المؤمنين ، وما على المسلم إلا الصبر والاحتساب حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا وليتأس بمن قبله فقد تناولتهم الألسنة البذيئة من أعدائهم وخصومهم واخرجوا من ديارهم وأوطانهم كما جرى ذلك لأئمة الإسلام وهداة الأنام فكيف بمن كان في آخر الزمان مع غربة الدين بين الأنام ، قال الرسول الأمين المبعوث رحمة للعالمين صلى عليه ربنا إلى يوم الدين : ( بدا الإسلام غريبا وسيعود كما بدا فطوبى للغرباء ) .
فالمسلم غريب بين الكفار والسني غريب بين أهل البدع ، وكلما قوي إيمان العبد قويت غربته .
فالمتمسك بالسنة حق التمسك في هذا الزمان غريب بين الناس يشار إليه بالأصابع لتباين منهجه مع مناهجهم وطريقته مع طريقتهم وسبيله مع سبيلهم .
قال سهل بن عبد الله :
( عليكم بالأثر والسنة ، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به في جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرؤوا منه ، وأذلوه وأهانوه ) .
قال العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمهم الله –:
( رحم الله سهلا ما اصدق فراسته ، فلقد كان ذلك وأعظم ، وهو أن يكفر الإنسان بتجريد التوحيد والمتابعة ، والأمر بإخلاص العبادة لله ، وترك عبادة ما سواه والأمر بطاعة رسول الله صلى الله علية وسلم ، وتحكيمه في الدقيق والجليل ) .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( يأتي على الناس زمان ، الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر )
وهؤلاء هم الغرباء حقا .
(وأهل هذه الغربة ، هم أهل الله حقا فإنهم لم يأووا إلى غير الله ، ولم ينتسبوا إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به ، وهم الذين فارقوا الناس أحوج ما كانوا إليهم، فإذا انطلق الناس يوم القيامة مع آلهتهم ، بقوا في مكانهم ، فيقال لهم : " ألا تنطلقون حيث انطلق الناس ؟ فيقولون : فارقنا الناس ، ونحن أحوج إليهم منا اليوم وإنا ننتظر ربنا الذي كنا نعبده" فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها بل هو أنس ما يكون إذا استوحش الناس، وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا ، فوليه الله ورسوله والذين آمنوا ، وان عاداه اكثر الناس وجفوه ) .
وهؤلاء الغرباء هم : ( القابضون على الجمر حقا ، واكثر الناس بل كلهم لائم لهم ، فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم ) .
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الفصل الاخير من الرسالة
فصل
وبما تقدم ذكره من وجوب الأخذ بالكتاب والسنة ومن ذم التقليد والتعصي لآراء الرجال . لا يظن بنا ظان أننا نبطل النظر في كتب الأئمة الأربعة أو غيرهم من الأئمة أو نهدر حقوقهم ونهظمهم حقهم فإن هذا لا نقول به ولا نرتضيه وإنما نطالب بتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم لأن ذلك شرط من شروط لا إله إلا الله .
فلا يستقيم إسلام المرء حتى يجرد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .
وهذا مع حفظ مراتب العلماء وموالاتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه ،فهم دائرون بين الأجر والأجرين والمغفرة ولكن لا يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم قول الواحد منهم عليها لشبهة أنه أعلم بها منك فإن كان كذلك فمن ذهب إلى النص أعلم به منك فهلا وافقته إن كنت صادقا.
فمن عرض أقوال العلماء على النصوص ووزنها بها وخالف منها ما خالف النص لم يهدر أقوالهم ولم يهضم جانبهم ، بل اقتدى بهم ، فإنهم أمروا بذلك فمتبعهم حقا من امتثل ما وصوا به لا من خالفهم في القول الذي جاء النص بخلافه أسهل من مخالفتهم في القاعدة الكلية التي أمروا ودعوا إليها من تقديم النص على أقوالهم ومن هنا يتبين الفرق بين تقليد العالم في كل ما قال، بين الاستعانة بفهمه والاستضاءة بنور علمه ، فالأول يأخذ قوله من غير نظر فيه ولا طلب لدليله من الكتاب والسنة، بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلده به ولذلك سمي تقليدا بخلاف من استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل الأول، فإذا وصل إليه استغنى بدلالته عن الاستدلال بغيره فمن استدل بالنجم على القبلة فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى .
قال الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله رحمه الله: (فإن قلت : فماذا يجوز للإنسان من قراءة هذه الكتب المصنفة في المذاهب ؟
قيل: يجوز من ذلك قراءتها على سبيل الاستعانة بها على فهم المتاب والسنة ،وتصوير المسائل فتكون من نوع الكتب الآلية، أما أن تكون هي المقدمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الحاكمة بين الناس فيما اختلفوا فيه المدعو إلى التحاكم إليها دون التحاكم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا ريب أن ذلك مناف للإيمان مضاد له كما قال تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) سورة النساء
وهذا آخر ما تيسر إيراده على سبيل الاختصار نصحا للمسلمين وغيرة عليهم أن تذهب أعمارهم تطلبا لقول فلان وفلان وشفاؤهم قريب منهم لو طلبوه لوجدوه .
ومن لم يشفه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويشفيه قول فلان وفلان فهذا على شفا جرف هار وهو في الغي والضلال الهائم.
ورحم الله العلامة ابن القيم حيث يقول :
من لم يكفيه ذان فلا كفا ه الله شر حوادث الزمان
من لم يكن يشفيه ذان فلا شفاه الله في قلب ولاأبدان
من لم يكن يغنيه ذان رماه رب العرش بالإعدام والحرمان
من لم يكن يهديه ذان فلا هداه الله سبل الحق والإيمان
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: ( فالحذر الحذر أيها الرجل من أن تكره شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو ترده لأجل هواك أو انتصارا لمذهبك أو لشيخك أو لأجل اشتغالك بالشهوات أو الدنيا فإن الله لم يوجب على أحد طاعة أحد إلا طاعة رسوله والأخذ بما جاء به بحيث لو خالف العبد جميع الخلق واتبع الرسول ما سأله الله عز وجل عن مخالفة أحد فإن من يطيع
أو يطاع تبعا للرسول وإلا لو أمر بخلاف ما أمر به الرسول ما أطيع فاعلم واسمع وأطع واتبع ولا تبتدع تكن أبتر مردودا عليك عملك بل لا خير في عمل أبتر من الاتباع ولا خير في عامله والله أعلم ) .
تمت الرسالة بحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه الفقير إلى الله
سليمان بن ناصر العلوان
في شهر شوال الموافق 26/10/1412هـ
القصيم - بريدة
قراءة و تحميل كتاب تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب ما هو اسمه الله في اليهودية والنصرانية والإسلام PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب إمام المتقين صلى الله عليه وسلم وأثر سنته في فهم القرآن الكريم PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب المحاضن التربوية والدور المفقود .. أو المعلم الذي نريد PDF مجانا