[مقدمة فضيلة الشيخ العلامة سيد سابق]
الغاية من خلق الناس هي عبادة الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، ولن تتم هذه العبادة إلا بالعلم الذي تستنير به السبل وتتضح معالم الحق.
وأرقى أنواع العلوم وأزكاها العلم بالكتاب والسنة، ولا يضل من تمسك بهما، يستوي في ذلك نص واضح الدلالة، أو اجتهاد في نص صادر عن أهل الاجتهاد.
وعماد المجتهدين قوله سبحانه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
وأولوا الأمر هنا هم العلماء الذين بذلوا غاية جهدهم، فدرسوا وفهموا وحفظوا وقارنوا ورجحوا، وميزوا الصحيح من الضعيف وعرفوا كيف تستنبط الأحكام من مصادرها، حتى صاروا بجهودهم يأخذون ما شاؤوا لما شاؤوا من أحكام، وهدفهم الوصول إلى الحق. وقد أكد الِإمام البخاري في صحيحه أن المراد بالطائفة الظاهرة على الحق هم أهل العلم ... ، وهم المنتصرون على من خالفهم وأهل العلم أقوياء بعلمهم وعملهم، ويراد بهم هنا المفسرون والمحدثون والفقهاء والخبراء بشؤون الحرب، من المسلمين، والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
والِإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، أحد هؤلاء العلماء، وهو من القمم الشامخة، وبصماته واضحة في علوم الدين والدنيا، فقد صنف في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ، كان أبوه من علماء الوزراء، تخرج بالِإمام الغزالي، وانتفع به كثيراً، وكان يعرف قدره، فهو الذي أطلق عليه عالم العلماء، كما أشار إلى ذلك في كتابه (قانون التأويل).
ويكفي ابن العربي فخراً أنه أستاذ القاضي عياض، وأبو بكر بن خير.
والقاضي عياض شيخ الإِسلام، حامل لواء العلوم الشرعية بيقظة وفهم، أبدع في كتابه (الشِّفَا في التعريف بحقوق المصطفى) إبداعاً فاق كل حدّ، وكتابه (مشارق الأنوار) الذي يقول عنه مؤلف (شجرة النور الزكية) "لو كتب بالذهب، ووزن بالجواهر لكان قليلاً".
أما أبو بكر محمد بن خير: فهو العلامة المحدَّث التقيّ الثقة المأمون، قال ابن العماد في شذرات الذهب عندما ترجم لابن العربي: "رحل إلى الشام وبغداد والحجاز ثم عاد إلى بغداد، ثم ذهب إلى مصر والإسكندرية، ثم عاد إلى الأندلس بعلم كثير".
وأضاف: "وابن العربي مفرط في الذكاء، عالم ناقد متبحر، قادر على نشر سائر علومه، مع الأدب وحسن المعاشرة، ولين الجانب".
وقال السيوطي في طبقات الحفاظ: "برع في الأدب، وكان ثاقب الذهن، كريم الشمائل، كما كان شديداً في الحق، ينتصر للمظلوم، وقد بلغ رتبة الاجتهاد".
أجل: والواصلون درجة الاجتهاد قِلَّة، وأقل منهم من أعد نفسه بحيث لو كان وحده لاستغنى به الناس عن غيره.
وابن العربي واحد من هؤلاء الكبار، تبحّر في المذهب المالكي حتى صار فيه علماً، وبه تبحر في سائر العلوم، فوعى الأصول، وأحكم الفروع وحفظ قضايا الصحابة والتابعين، مع دقة النظر في تخريج المسائل.
وقد اجتهد في نشر المذهب، وقرّبه إلى الناس تخريجاً واستدلالاً واستنباطاً.
وكأنَّي به قد وضع نصب عينيه جواب الِإمام أحمد رحمه الله حيث سئل يكفي الرجل مائة ألف حديث حتى يفتي؟ قال: لا. ولما قيل له خمسمائة ألف حديث؟ قال: أرجو.
أدرك ابن العربي في حياته المبكرة أن العلم أساس الدين، وأن الدين يؤسس علي العقيدة والفقه، وعاش لذلك يفتي، وينشر علمه بين الناس أربعين عاماً.
وقد دفعه إلى ذلك، ما يتميز به من ذكاء القلب، وصدق الرأي والتمكن من الجواب، والثقة بالنفس، وكثرة الفضل.
من بديع ما قال:
ما من رجل يطلب الحديث، إلا كان على وجهه نضرة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا" ودعاء الرسول مستجاب.
من مؤلفاته: "الإِنصاف في مسائل الخلاف" عشرون جزءاً، و"عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي"، ومعنى العارضة: القدرة على الكلام، والأحوذي: الجاد في الأمور المنتصر، الذي لا يفوته مطلب، وهكذا كان ابن العربي، وله كتاب "العواصم من القواصم" الذي سد فراغاً كبيراً في المكتبة الِإسلامية، ومن أهم ما أنتج كتابه "أحكام القرآن"، والِإمام القرطبي نفسه مع إمامته يرجع إليه ويعتمد عليه، ولو لم يكن لابن العربي من جهد ومن ثمار إلاَّ تأليف كتاب تفسير القرآن الذي بلغ ثمانين مجلداً لكفاه فخراً، ولكن للأسف لم يُعْثَر له على أثر.
ومن أهم مؤلفاته "قانون التأويل" وهو يتناول القواعد المنهجية لطلاب العلوم الشرعية، وكان هذا الكتاب دفيناً في خزائن المخطوطات حتى قيض الله له ابننا الأستاذ الشيخ محمد السليماني فبعث الله هذا الكتاب على يديه، فتقدم به إلى جامعة أم القرى فحققه، وعلّق عليه وأضاف إليه إضافات، تظهر غامضه، وتجلِّي دقائقه، وخرج أحاديثه وقارن بين الروايات، فجاء الكتاب درّة فريدة، فجزاه الله عن دينه خير الجزاء، ونفع به الإِسلام والمسلمين.
قال الشيخ الفقيه الإِمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري رحمة الله عليه:
هذه رسالة من المستبصر بنقصه، المستقصر لنفسه، المضطرِّ إلى ربه، المستغفر لذنبه، إلى جميع الطالبين، والراغبين، والسَّالكين سبيل المهتدين.
إلى من صدقت إليه رغبته، واستمرت عليه عزيمته في تحرير مجموع في علوم القرآن، يكون مفتاحاً للبيان، ولج (1) عند التوقف عن ذلك في العتاب (2)، وطمس في وجه الأعتاب (3)، وأغلق إلى المعذرة كلّ باب.
وجذب مع نفسه جماعة لجُّوا بلجاجه، وعجُّوا (2) بعجاجه .. وصمَّمُوا على أن العذر لا يلوح في هذا، لأن تلك الأقوال التي كنا نسمع، لو تقيدت في قراطيس، لكانت رحضاً لو ضر الجهالة، وحسماً لداء الحسادة، وَبَهْتاً لمن أحظر عناده، ولعمّت منفعتها من تقبلها وردّها، ومثلها كالغيث إذا همع (3) أصاب الأباطح والرياض، وصاب (4) على الحدائق والغياض. فيكون منها طائفة تمرّ عليها كالسيل في الانحدار، وأخرى تقبلته فحفظته على من يرد مع مرور الأعصار، وثالثة صرفته بوجوه التفطن والاستبصار، ورابعة جمعت فيه بين العلم به والعمل في الأذكار...
معاشر المريدين، أبلعوني ريقي، تعرفوا تحقيقي، وخذوا خاتمة كلامي يتبين لكم الفصل بين مرامكم ومرامي، واجمعوا ساعة على إسعادي، فربما ساعدتموني بَعْدُ على مرادي.
قانون التأويل من علوم القرآن
قانون التأويل من علوم القرآن
: قانون التأويل
المؤلف: محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الإشبيلي أبو بكر
المحقق: محمد السليماني
الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن
المحتويات :
مقدمة فضيلة الأستاذ الدكتور سليمان دنيا
مقدمة فضيلة الشيخ العلامة سيد سابق
مقدمة المحقق
(الدراسة)
مدخل الكتاب "قانون التأويل"
[مقدمة الكتاب]
ذكر ابتداء طلب العلم
ذكر الرحلة في طلب العلم
ذكر ما لقيته في العلم من المترسمين والعلماء الراسخين في أثناء رحلتي المشار إليها
ذكر دخول بيت المقدس
ذكر الرحلة إلى العراق
ذكر المعرفة بأمير المؤمنين حين كان عونا على طلب علم الدين
ذكر التوصل إلى المطلوب من العلم
ذكر معرفة النفس
ذكر معرفة الرب
ذكر المرآة
ذكر حقيقة النوم وحكمته
ذكر حقيقة المثل
ذكر قانون من التأويل في آية معينة
ذكر تنزيه الذات عن الأمثال
ذكر تمام الوصول إلى المقصود من معرفة النفس والرب
ذكر أقسام حال النفس
ذكر المنازعة بين الجسد والنفس
ذكر الآيات الواردة في النفس والقلب والجوارح
نكتة في الباب
ذكر الاعتذار عن عدول العلماء عن الكتاب إلى أدلة العقول
ذكر الخبر عن علوم القرآن
ذكر أقسام العلوم
ذكر الباطن من علوم القرآن
ذكر الحروف المذكورة في أوائل السور
ذكر دخول الاجتهاد في علوم القرآن بطريقة
ذكر دلالة العلم على الكلام وربط ما بين اللسان والقلب
ذكر الحكمة العظمى في خلق الكلام وتسخير القلم
ذكر العلم النظري والعلم العملي
ذكر القسم الخاص
ذكر استيفاء الغرض في التقسيم
ذكر معرفة ركني الحياة
ذكر بيان أن العلم قبل العمل
ذكر علم الأنبياء عليهم السلام
ذكر حكمة الأمثال
ذكر نموذج من الأمثال تمهيدا لما تقدم
ذكر الاستطراد من كلام رب العالمين إلى كلام المخلوقين في هذا الغرض
ذكر أمثلة من القانون عند الانتهاء إلى هذا المقام من بيان مقدماته
النوع الأول: في الوحيد
السؤال الأول
السؤال الثاني
السؤال الثالث
السؤال الرابع
السؤال الخامس
السؤال السادس
السؤال السابع
السؤال الثامن
السؤال التاسع
السؤال العاشر
السؤال الحادي عشر
السؤال الثاني عشر
السؤال الثالث عشر
السؤال الرابع عشر
السؤال الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر
السؤال الثامن عشر
السؤال التاسع عشر
السؤال الموفي عشرون
السؤال الحادي والعشرون
السؤال الثاني والعشرون
تحمل كتاب قانون التأويل - لأبي بكر بن العربي المالكي pdf
قراءة و تحميل كتاب ابن القيم وحسه البلاغي في تفسير القرآن PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب اختصاص القرآن بعودة إلى الرحيم الرحمن PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب أسباب النزول وأثرها في بيان النصوص: دراسة مقارنة بين أصول التفسير وأصول الفقه (دكتوراه) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب أسلوب الإستفهام في القرآن الكريم: غرضه، إعرابه PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم عرض ودراسة PDF مجانا