فإن عثمان خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نويرة، وهو خليفة المسلمين، وقد قُتل مظلوماً شهيداً بلا تأويل مسوغ لقتله، وعلي لم يقتل قتلته، وكان هذا من أعظم ما امتنعت به شيعة عثمان عن مبايعة علي، فإن كان علي له عذر شرعي في ترك قتل قتلة عثمان.
لأن علي كانت وجهة نظره هو كان الخليفة والإمام، كان يرى أن يتريث ولا يبادر بتتبع قتلة عثمان إلى أن تستقر الأمور وتستقر الدولة، لأن كانت الأمور في اضطراب شديد في الدولة وفي الخلاف ونحو ذلك، فرأى عليًا أن ينتظر قيلًا حتى تستقر الدولة، ثم بعد ذلك يتتبع قتلة عثمان.
فالفريق الآخر من الصحابة رأوا أنه ينبغي أول البداءة بالاختصاص بقتلة عثمان، فعلي اجتهد في ترك قتل قتلة عثمان المعصوم، بمعنى معصوم الدم كما هو معلوم، وإن كنتم تعتبون على أبي بكر في تركه قتل خالد بن الوليد لأنه قتل مالك بن نويرة، فعثمان الذي ترك علي قتل قتلته وهو خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نويرة.
فهذا أولى أن ينكر على علي، وضع إن كان نفس المنطق فهنا يكون أولى، يقول شيخ الإسلام: أولًا فإن كان ترك قتل قاتل المعصوم مما ينكر على الأئمة كان هذا من أعظم حجة شيعة عثمان على علي، فإن عثمان خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نويرة، وهو خليفة المسلمين، وقد قتل مظلوماً شهيداً بلا تأويل مسوغ لقتله، وعلي لم يقتل قتلته.
وكان هذا من أعظم ما امتنعت به شيعة عثمان عن مبايعة علي، فإن كان علي له عذر شرعي في ترك قتل قتلة عثمان، فعذر أبي بكر في ترك قتل قاتل مالك بن نويرة أقوى، وإن لم يكن لأبي بكر عذر في ذلك، فعلي أولى أن لا يكون له عذر في ترك قتل قتلة عثمان .
وأما ما تفعله الرافضة من الإنكار على أبي بكر في هذه القضية الصغيرة، وترك إنكار ما هو أعظم منها على علي، فهذا من فرط جهلهم وتناقضهم، وكذلك إنكارهم على عثمان كونه لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان، هو من هذا الباب، وإذا قال القائل: علي كان معذوراً في ترك قتل قتلة عثمان، لأن شروط الاستيفاء لم توجد: إما لعدم العلم بأعيان القتلة، الثوار هؤلاء الذين قتلوا عثمان أعيانهم غير معروفة في ذلك الوقت.
وإما لعجزه عن القوم لكونهم ذوي شوكة، ونحو ذلك، فعليًا كان معذورًا فيما فعل، قيل: فشروط الاستيفاء لم توجد في قتل قاتل مالك بن نويرة، وقتل قاتل الهرمزان، لوجود الشبهة في ذلك، والحدود تدرء بالشبهات، وإذا قالوا: عمر أشار على أبي بكر بقتل خالد بن الوليد، وعلي أشار على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر.
قيل: وطلحة والزبير وغيرهما أشاروا على علي بقتل قتلة عثمان، مع أن الذين أشاروا على أبي بكر بالقود، أقام عليهم حجة سلموا لها: إما لظهور الحق معه، وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، وعلي لما لم يوافق الذين أشاروا عليه بالقود، جرى بينه وبينهم من الحروب ما قد عُلم، وقتل قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل وصفين. فإذا كان في هذا اجتهاد سائغ، ففي ذلك أولى.
وإن قالوا: عثمان كان مباح الدم، لأن الرافضة قالوا أن عثمان معاذ الله يعني كان مباح الدم، قيل لهم: فلا يشك أحد في أن إباحة دم مالك بن نويرة أظهر من إباحة دم عثمان، بل مالك بن نويرة لا يُعرف أنه كان معصوم الدم، ولم يثبت ذلك عندنا، وأما عثمان فقد ثبت بالتواتر ونصوص الكتاب والسنة أنه كان معصوم الدم.
وبين عثمان ومالك بن نويرة من الفرق ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى، ومن قال: أن عثمان كان مباح الدم، لم يمكنه أن يجعل علياً معصوم الدم، ولا الحسين، فإن عصمة دم عثمان أظهر من عصمة دم علي والحسين، وعثمان أبعد عن موجبات القتل من علي والحسين.
وشبهة قتلة عثمان أضعف بكثير من شبهة قتلة علي والحسين، فإن عثمان لم يقتل مسلماً، ولا قاتل أحداً على ولايته، ولم يطلب قتال أحد على ولايته أصلاً، فإن وجب أن يقال: من قتل خلقاً من المسلمين على ولايته إنه معصوم الدم، وإنه مجتهد فيما فعله، فلان يقال: عثمان معصوم الدم، وإنه مجتهد فيما فعله من الأموال والولايات بطريق الأولى والأحرى.
ثم يقال: غاية ما يقال في قصة مالك بن نويرة: إنه كان معصوم الدم وإن خالداً قتله بتأويل، وهذا لا يبيح قتل خالد،كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، وقال له النبي : «يا أسامة أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟»